السبت، 11 يناير 2020

تحقيق مكان سوق عكاظ وديار بني سعد بن بكر بن هوازن

 بقلم الباحث هادي ابو عامرية

 ليس بخاف على عارف أن الحج في الجاهلية لم يكن على ما هو عليه الآن ، فلما فتحت مكة ودانت العرب بالإسلام ، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، قال للناس خذوا عني مناسككم، ولهذا السبب لا يمكن إنكار أن تكون عكاظ من مواسم الحج في الجاهلية لما ورد في ذلك من الآثار ، ولا يُرد هذا القول إلا بحجة وشاهد من أثر غير مطعون فيه, ومحال والأمر كذلك أن تكون عكاظ نادة عن مشاعر الحج الأخرى, يحتاج الانتقال منها إلى ما بعدها سفر أيام, لا حجة ولا منطق لمن توهم أن عكاظ شرق مطار الحوية, أي في نجد!!, إن القول بهذا يهدم تاريخ طفولة المصطفى صلى الله عليه وسلم وبعثته, وما لاقى في دعوته, فمن أخبار طفولة المصطفى صلى الله عليه وسلم, خبر الكاهن في عكاظ الذي طلب قتله.
في مصنف عبد الرزاق، المجلد الخامس، الطبعة الثانية، سنة 1403هـ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، كتاب المغازي، باب ما جاء في حفر زمزم .

بعد أن ساق قصة شق صدره صلى الله عليه وسلم من قِبل الملكين، قال : وعنها " أي حليمة السعدية"، أنها نزلت به سوق عكاظ، وكان سوقاً للجاهلية بين الطائف ونخلة، كانت العرب إذا حجت أقامت بهذا السوق شهر شوال، فكانوا يتفاخرون فيه، الذي أعلمه أنه كان يقام من غرة ذي القعدة، إلى يوم 25 منه.

وفي كلام بعضهم كان سوق عكاظ لثقيف وقيس عيلان، فرآه كاهن من الكهّان فقال: يا أهل سوق عكاظ اقتلوا هذا الغلام فإن له ملكاً فزاغت أي مالت به وحادت عن الطريق فأنجاه الله تعالى، وفي الوفاء . لما قامت سوق عكاظ انطلقت حليمة برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عرّاف من هذيل يريه الناس صبيانهم، فلما نظر إليه صاح يا معشر هذيل يا معشر العرب، فاجتمع إليه الناس من أهل الموسم "الموسم يعني الحج" فقال: اقتلوا هذا الصبي فانسلت حليمة به، فجعل الناس يقولون أي صبي ؟ فيقول هذا الصبي شيئاً شيئاً، فيقال له ما هو؟، فيقول: رأيت غلاماً والآلهة ليقتلن أهل دينكم، وليكسرن آلهتكم، وليظهرن أمره عليكم، فطلب فلم يوجد , وهنا نتساءل هل سافرت به إلى نجد  لتعرضه على كاهن هذيل دون مَحْرم ؟؟!! , وهل كاهن هذيل يسافر من وادي نعمان قرب عرفات إلى نجد ليعرض عليه أهل نجد وهجر صبيانهم ؟؟!!.

وقد أورد أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قصة هذا الكاهن في كتابه دلائل النبوة، مجلد رقم1/ دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي ، طبعة 1405هـ، من رواية محمد بن زكريا الغلابي، وهو شخص متهم بالوضع لذلك في روايته زيادات غير صحيحة، ولكنها لا تضر بما نحن بصدده من الاستشهاد, ولم يرد في روايته اسم عكاظ، وإن كان مضمون القصة يؤيد ما ورد في مصنف عبد الرزاق أنها حدثت في عكاظ المكان والزمان، فبعد أن ساق خبر الملكين وشق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بزيادات محمد بن زكريا
                 
 قالت: فلما سمعت مقالته انتزعته من يده، وقلت: لأنت أعته منه وأجن , ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به , اطلب لنفسك من يقتلك , فإنا لا نقتل محمداً , فاحتملته فأتيت به منزلي ، فما أتيت يعلم الله منزلاً من منازل بني سعد بن بكر إلا وقد شممنا منه ريح المسك الأذفر .. الخ .

نستفيد من هاتين الروايتين ، إذا ضممناهما إلى بعضهما، فوائد في معرفة موقع عكاظ.

الفائدة الأولى :
أن قصة شق صدر رسول الله من قبل الملكين جرت وعمره صلى الله عليه وسلم سنتان ، لأن حليمة السعدية أعادته إلى أمه صلى الله عليه وسلم قبل شق الصدر، لانقضاء الأجل , ولما رأت من بركته توسلت أن تسمح أمه بعودته معها عاماً آخر، وبعد عودته بأقل من ثلاثة أشهر نزل عليه الملكان، وكانت حادثة شق الصدر .

الفائدة الثانية:
أنها ذهبت به إلى الكاهن بمشورة نساء الحي، مخافة أن يكون أصابه لمم , وجراء حادثة شق الصدر وحادثة الكاهن أعادته إلى أمه مسرعه , ولكن أمه صلى الله عليه وسلم طمأنتها أن لا خوف عليه من الشيطان , فعادت به إلى عكاظ، وهذا يدل على أن شق صدره صلى الله عليه وسلم من قِبل الملكين كان في أيام عكاظ، أي في شهر ذي القعدة ، حسب القصة التي ساقها البيهقي .

الفائدة الثالثة:
أن ديار بني سعد تقع في عكاظ ، فيما يعرف الآن بوادي نخلة اليمانية , التي تمتد من غرب وادي السيل إلى مكة , حيث يصب في وادي فاطمة ، بعد الاتحاد بنخلة الشامية, ولعل عكاظ كانت تقع بين الزيمة وديار بني سعد من هذا الوادي ، ذلك لأن حليمة رضي الله عنها حين رأت وسمعت من الكاهن ما سمعت، تقول : فانتزعته منه واحتملته وأتيت به منزلي، وهذا يدل على أن عكاظ في منازل بني سعد بن بكر بن هوازن ، فقد حملته على حقوها كعادة النساء في ذلك الزمن، لم تذكر أنها حملته على دابة ، أو أنها جاءت على دابة ، أو أنها جاءت مع زوجها أو مع أخ أو أب، والمرأة في ذلك الزمن لا تسافر سفراً بعيداً وحدها، لذلك لازمها اسم الظعينة حتى سميت به، فيقال لزوجة الرجل ظعينته ، وأصل الظعينة الهودج على البعير الموطأ للنساء، سواء كان داخله امرأة أم لم يكن، ثم قيل للمرأة داخل الهودج ظعينة ، ثم قيل لزوجة الرجل ظعينته ، وأصل الظعن الانتجاع للمرعى، قال تعالى: { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ .. الآية }

وقصة مرضعة رسول الله مع هذا الكاهن ، لا تدع مجالاً للشك أن عكاظ تقع في ديار بني سعد في نخلة , حيث يعمر هذا الوادي هذيل وجذيمة وهوازن , في مواضع متناثرة من الغرب إلى الشرق، لذلك ما علينا إلا أن نعرف ديار بني سعد في الجاهلية من نخل , حيث كانت طفولته صلى الله عليه وسلم قبل فطامه، وهي غير ديارهم جنوبي الطائف

 وما حملت حليمة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا للإسراع به إلى المنزل لخوفها عليه، ولو كانت مطمئنة لقادته, فقد كان في سن يستطيع السير في يد أمه سير الأطفال البطيء ، ولو أن رواة قصة رضاعته صلى الله عليه وسلم، ذكروا متى خرجت مرضعته من ديار بني سعد تطلب الرضعاء ومتى وصلت مكة، أو في أي ساعة من ليل أو نهار خرجت برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، ومتى وصلت ديارها، لعرفنا المسافة بين عكاظ ومكة, على وجه الدقة, كل هذا لم نظفر بطرف منه في أي كتاب، ولكن إذا اقتنعنا أن عكاظ تقع في ديار بني سعد وجذيمة، فإن من العقل والمنطق، أن تكون ديار بني سعد غير بعيد عن مكة، فلن تُسَّلم قريش فلذات أكبادها إلى قوم ليسوا في متناول أيديهم، كأن يكونوا في نجد،

حيث حدد ابن بليهد عكاظ , ذلك محال لا يقول به عاقل !! , وقبل أن نقول إن تحقيق ابن بلهيد لموقع عكاظ المعتمد من قبل الجهات الرسمية , الكائن في نجد، غير صائب البتة ، وتفسير خاطئ لقصيدة مكذوبة ، أولاها ابن بليهد والجاسر ما لا تستحق من التقدير، سأتعرض لهذه القصيدة قبل نهاية البحث، ورغم اعتماد الدولة تحديد ابن بليهد أقول إن هذا الموقع غير صائب!! , وواجبنا أن نصدقكم أولياء الأمور ,لا نكذبكم ولا نجاملكم , فالرائد لا يكذب أهله!! , وعكاظ ورد ذكرها في أشعار العرب في الجاهلية وأخبارهم ، وفي السنة النبوية , فقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عباس في تفسير أول آية من سورة الجن , أن إبليس حين حيل بين الشياطين وخبر السماء , أمر أصحابه أن يضربوا في الأرض ليعرفوا الخبر , فتوجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة , عامدين إلى سوق عكاظ, وهو يصلي بأصحابه الفجر , لقد قال إن الجن توجهوا نحو تهامة , ولو كانت عكاظ بنجد لما قال نحو تهامة , لم أسق الحديث بتمامه, فقد بدأه ابن عباس بقوله : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ, وكلمة "انطلق" تدل على قرب عكاظ , وتنفي أن يكون الأمر سفراً , وباستعراض أخبار عكاظ في الشعر العربي، قد يساعدنا ذلك في معرفة موقعه من نخلة اليمانية , أو من المشاعر على وجه التحديد .

الرد على فهد الثبيتي عن موقع ديار بني سعد بن بكر بن هوازن

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد : -
هذا رد مفاده فديو منتشر على الشبكة العنكبوتية للأستاذ فهد بن رجاء الله الذويبي رد فيه على الدكتور عبدالله الثمالي  عن مواطن السيدة حليمة السعدية جنوب الطائف واحببت أن يكون لي مشاركة بسيطة في هذا الشأن  قلت مستعيناً بالله تعالى : 


1/ كررت اخي الأستاذ فهد ذكر النخلتين على أنها من ديار حليمة ، وناقشت وأجبت على هذا الأساس .علماً بأنه لم يقل أحد إن النخلتين من ديار حليمة أو بني سعد بن بكر ، بل هي من ديار هذيل ، وديار بني سعد هي رؤوس النخلتين في ذات عرق وقرن المنازل وأوطاس ونحوها ، فلماذا ذكرت النخلتين ، وأصريت على ذكرها وتكرارها ، وهي خارج الموضوع ؟

2/ ومثل ما سبق قولك عن نص البكري : ( فنزلت هوازن بن منصور بن عكرمة ما بين غور تهامة الى ما والى بيشة وبرك الغماد وناحية السراة .... أن هذه النص النفيس دليل قاطع على الامتداد الواسع لديار بني سعد وهوازن وأنها ليست محصورة في مساحة السيل والنخلتين ... ) .

فمن قال إن ديار هوازن محصورة في السيل والنخلتين ؟ أنت تخلق حجة من رأسك وتجيب عنها . فديار هوازن تمتد من بيشه إلى قلب نجد ، ولكن حديثنا عن ديار بني سعد بن بكر ، أين هي ؟ ومن قال إنها في السراة ؟
نص البكري لم يقل إنها في السراة ، أنت أضفتها من عندك . والديار التي ( توالي ) السراة في هذا النص هي ديار نصر وغيرها ، وهي ليست في السراة بل تواليها كما في النص ، أي تأتي بعدها ، وهذا يوافق ما ذكره البلدانيون من ديار هوازن ، فجميعها توالي السراة وليست فيها ، وذكروا أن أسفل بسل وجلدان وعكاظ وما حولها لبني نصر بن معاوية .

أما ديار بني سعد بن بكر فهي في الغور ، والنص يقول : ( مابين غور تهامة إلى ما والى بيشة ... ) فمن هي القبيلة التي جهة غور تهامة من هوازن ؟ إنها بنو سعد بالتأكيد ، ويدل على ذلك نصوص من كلام بني سعد أنفسهم ، فقد نقل الحربي عن ابن عيينة عن أبيه قال : قلت لأهل ذات عرق : منجدون أم متهمون ؟ قالوا : لا منجدين ، ولا متهمين ، نحن أهل الغور ) وأهل ذات عرق هم بنو سعد بن بكر ، كما ثبت في كل كتب البلدانيين ، وهم أهل الغور في نص البكري ، وفي نقل الحربي ، وجعلهم في السراة دعوى بلا دليل .

3/ ويذكر الأستاذ فهد عدة رحلات للرسول صلى الله عليه وسلم بين مكة والطائف ، ويتساءل : لماذا لم يمر الرسول على امه وأهله ويسلم عليهم ، ولماذا لم يدعهم للإسلام ، ولماذا لم يهجم بنو سعد على الجعرانة ويحرروا الأسرى ؟ وأسألة أخرى من هذا القبيل ، وكلها لا دلالة فيها على ديار بني سعد بن بكر ، ولا علاقة لها بإثبات موقع أو نفيه .

فهم لم يهجموا ؛ لأنهم مابين مقتول في حنين ، وما بين مأسور في الحظائر ، وما بين فارٍ إلى أوطاس هارب من جيش الأشعري الذي يلاحقه ، ثم
يقتله أو يفرقه وذلك في معركة أوطاس ، وما بين فارٍ إلى الطائف ويغلق عليه الأبواب ، وجيش الرسول صلى الله عليه وسلم يلاحقه ويحاصره ...
هذا حال بني سعد بن بكر في ذلك الوقت ، ثم تقول : لماذا لم يحرروا الرهائن في الجعرانة ؟ هم مشغولون يا استاذ فهد بتحرير أنفسهم من الموت الذي يلاحقهم بدل أن يحرروا الرهائن !!

أما قولك لماذا لم يمر ويسلم على أمه أو يدعو للإسلام ... فهذه حجة أضعف من سابقتها ، فإذا ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمر على أمه ولم يسلم ، هل هذا يكفي في الدلالة على أن ديار بني سعد بن بكر كانت جنوب الطائف ؟
ثم اعلم أن ديار حليمة نفسها ليست في النخلتين كما ظننت بل في أوطاس كما حققها الدكتور الثمالي في بحثه ، وأوطاس ليست على طريقه ليمر ويسلم أو يدعوهم للإسلام ، ثم أقول لك وبنفس المنطق أيضا : إن الرسول صلى الله عليه وسلم وصل الطائف أكثر من مرة ، لماذا لم يمر على أمه وأخواله في الشوحطة ويسلم عليهم ، أو يدعوهم للإسلام ، وقد أصبح قريباً منهم ، بل وصل في سنة حصار الطائف إلى ليه ، وأصبحت الشوحطة ـ وهو في ليه ـ أقرب إليه من أوطاس وهو في قرن المنازل ؟ لماذا لم يمر الشوحطة ويسلم على أمه أو يدعو أخواله للإسلام ... ؟
مثل هذه الأسئلة لا قيمة علمية لها ، ولا يمكن أن تثبت بها منازل القبيلة ، وإنما هي مجرد تعلق بأوهى شبهة بسبب فقدان النص والدليل الصريح .

4/وتقول يا استاذ فهد : إن نص كتاب المناسك الذي ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسترضع في أوطاس غير مقبول ؛ لأن فيه كلمة : ( يقال ) .
وأقول : صاحب المناسك هو الإمام الحربي المحدث الثقة تلميذ الإمام أحمد وقد ذكر لفظ (ويقال) لأنه لا يروي حديثاً بل يذكر خبراً سمعه أثناء مروره للحج وهو في أوطاس ، وهذا الخبر لا يبنى عليه أحكام شرعية حتى نبحث عن سنده ، بل هو خبر تاريخي مثل بقية أخبارالتأريخ .

وسؤالي : ماهو دليلك بالسند الموثوق الصريح الجازم ،على أن ديار بني سعد بن بكر كانت جنوب الطائف ؟ أعطني نصاً صريحاً واحداً ، أو اعطني نصاً غير صريح ، وليكن فيه : ( ويقال ، أوزعموا ، أونظن ، أوربما .... ) أو أي لفظ آخر مشابه .
لكن نظراً لعدم وجود أي نص يدعم هذا القول صريحاً أو ( يقال ) أصبحت النصوص المترادفة الصريحة الصحيحة ، التي تحدد ديار بني سعد شمال الطائف
، أصبحت مشكلة عند أصحاب هذا القول لا حل لها ، فهم لا يملكون نصوصاً مثلها أو قريباً منها ، والحل عندهم هو رد النصوص ، فتعييب النصوص هو الحل الوحيد ، ولهذا نجدك يا استاذ فهد تقول في آخر ردك هذا :
( وهذا يدحض أي دليل من المصادر ) !!!!

سبحان الله العظيم ، لأجل أن الحربي قال : يقال إن الرسول كان يسترضع في أوطاس ، لأجل هذا ندحض ( أي دليل من المصادر ) ! أي دليل ! وكل المصادر !
هل تخيفك المصادر يا استاذ فهد إلى هذه الدرجة ؟ حتى إنك صادرت كل دليل من أي مصدر من المصادر ، فصادرت كلام الحربي ، وصادرت كلام عرام السلمي ، وهو أعرابي من بني سليم جيران هوازن ، وأعرف بتلك الديار مني ومنك ومن البلادي . ثم أبقيت على الخرافة السائدة في عصور الجهل ، والتي هي بلا مصدر ؟ وليس فيها لا عرام ولا من هو أقل من عرام ، وليس فيها ( يقال ) ولا ما هو أدنى من يقال .
إن كلمة يقال من إمام محدث ثقة في القرن الثالث ( 286هـ ) وكلام عرام السلمي ، وهو أعرابي من جيران هوازن عاش في القرن الثالث الهجري ، كلامهما أقوى وأحرى بالقبول ، من القول بأن هذه الخرائب المهجورة في وادي الشوحطة ، كانت لحليمة ، وأن عمرها تجاوز 1400 عاماً . اعطني يا أخ فهد نصاً واحداً فقط فيه ( يقال ) أو أقل من يقال يحكي لنا قصة هذه الخرائب .

5/ تقول  : ليس لهم أعداد ؛ لأن أعدادهم في سراتهم ...
أقول : الأصفهاني نقل عن ألأصمعي وعدّد مياه قبائل هوازن ، فذكر مياه بني نصر وبني جشم ، ثم ذكر بني سعد فقال : ( وليس لهم أعداد ، إنما مياههم أوشال ، بمنزلة مياه هذيل ، وهم جيران هذيل .. ) فالأصمعي يقول : ليس لهم أعداد .. وأنت لا يعجبك كلامه ، كما لم يعجبك كلام الحربي ولا عرام ، وتقول : أعدادهم في السراة .. فمن أين أتيت بهذه الزيادة ، هل قال بها أحد ، هل تعلمها أنت بنفسك ، وأنت تتحدث في غير زمنهم ؟ ولماذا فاتت على الأصمعي ، وهو يتحدث عن زمنه ؟ وكيف يكونوا جيراناً لهذيل في الغور وأعدادهم في السراة ؟ فأين الغور وديار هذيل من الشوحطة ؟ وخصوصاً أنه بين ديار هذيل والشوحطة منازل قبائل أخرى وهم ثقيف في الطائف وما جاوره ، وبنو نصر اسفل أودية الطائف ، في عكاظ ، وأسفل ليه ، وأسفل بسل ، كما نصت على هذا العديد من النصوص التي حددت ديار بني نصر بن معاوية ، فكيف تجاوزهم بنو سعد من الغور إلى الشوحطة ، فديارهم في الغور كما تشهد النصوص في ذات عرق وقرن المنازل ، وأعدادهم في الشوحطة ؟